|
|
| -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:25 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم</B>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سندرس في موضوعنا هذ الشعر , و نشأته , ثم سنتطرق إلى العناصر الشعرية لمعرفة كيفية بناء الشعر منذ الأزل إلى عصرنا الحاضر , وبعض محاولات التجديد في الموسيقا الشعرية واهم اسباب التقليد والتجديد في الموسيقا الخارجية للشعر . والهدف من الموضوع , تهيئة الدعامتين : الوسيلة لامتلاك المقاييس النقدية والذوق الشعري اما في الدعامة الأولى ( المقاييس النقدية ) فقد حرصت عى استكمال الضروري من هذه المقاييس , وعلى عرضها بطريقة تجعل وصولك إليها واستيعابك لها ممكنًا وسهلاً. واما فيما يتصل بالدعامة الثاني ( الذوق الشعري ) فقد حرصت على أن يسيطر على الموضوع كله منهج واحد , وهو منهج النقد التطبيقي , الذي يجعل القاعدة منبثقة من النص , وليست شيئًا يذكر بعيدًا عنه , أو حتى يذكر بجانبه , وهذه الطريقة إذا اعتدت أن تدرب نفسك عليها فإنها تصقل موهبتك الشعرية , وتشحذ ذوقك الفني .
نشأة الشعر</B>
لم يكن أحدنا هناك يوم ترنم الإنسان القدم بأول قصيدة شعرية حتى نعرف بالضبط كيف نشأت , وأي الظروف أحاطت بنشأتها , ولكن دراسة المجتمعات البدائية المعاصرة , ودراسة الأطفال , والدراسات الإنسانية عامة تقرب إلينا تصوُر ذلك . فقد مضت على الإنسان قرون , يستخدم فيها اللغة عند الضرورات الإجتماعية الملحة , عند التعاون على صيد حيوان مثلاً, أو المشاركة في دفع خطر من الأخطار , كانت لغة آنذاك وظيفة عملية نفعية . ثم تطور الإنسان , وتطورت معه اللغة , فقد اجتمعت في ذهنه أساطير وعقائد خرافية خلال صراعه مع الطبيعة و انبهاره أمام أسرارها , وتفسيره الساذج لمظاهرها , فقد كان الإنسان ينظر إلى الوجود بعين الخيال , كان خياله يسعفه فيصور له , ويفسر له كل ما يشعر به قلبه من خوف وطمأنينة وحب ... إزاء مظاهر الكون , وكانت اللغة وعاء هذه الأساطير وتلك الخيالات . وفي هذا الطور من أطوار الإنسان وأطوار اللغة نشأ الشعر , كان الإنسان آنذاك عاطفياً خيالياً , وهكذا نشأ الارتباط المبكر بين الشعر والعاطفة والخيال . فما منشأ الارتباط بين الشعر والأوزان ؟ تصور امًا تداعب ابنها فتهز له المهد الذي صنعته من فَرْوِ حيوان صاده زوجها , إنها تهز المهد هزات منتظمة , أو تصور جماعة بدائية دعاها إلى الرقص داع من فرح أو حزن أو عبادة , فقامت ترقص , إنها تهز أجسامها هزات منتظمة , أو تصور جماعة تؤدي عملاً يدويًا مشتركًا , جذبَ زورق صيد مثلاً , فهي تحس بضرورة تجميع القوى في لحظة تجذب فيها الزورق , بعدها تهدأ لتلتقط أنفاسها قبل أن تعاود تجميع القوى للجذبة الثانية ... وهكذا . إن حركتها بهذا قد أصبحت منتظمة . فإذا ناغت الأم طفلها وهي تهز مهده , وإذا تغنى الراقصون بكلام يعبر عن شعورهم وهم يؤدون الرقصة , وإذا أنشد الصيادون عبارات تنظم حركتهم وتخف عنهم عناء العمل وهو يقومون بحركاتهم المنظمة , فإن الكلمات في هذه الأحوال ستجري منتظمة موقعة وفقًا لهزات المهد أو لهزات الأجسام . وإذا جرى الكلام منتظمًا موقعًا فمعنى هذا أنه أصبح موزونًا . وهكذا نشأ الإرتباط بين الشعر والأوزان . ولكن كيف ندرك الصلة بين العاطفة والوزن ؟ إن الإنسان إذا تملكه انفعال نفسي يظهر أثر ذلك في نبضات قلبه فهي تعلو أو تخفت , ويظهر في تتابع نفسه فهو يسرع حتى يكون لُهاذا , أو يبطئ حتى يكون تنهدًا , أو يهدأ حتى يحبس , ويظهر في حركات جسمه , فقد تراه يذرع الغرفة جيئة وذهابًا كأنه أسد حبيس , وقد تراه يتخاذل فلا تقوى رجلاه على حمله . والشاعر يعبر عن انفعال يسيطر على نفسه وعلي حواسه , انفعال يجعل نبضات القلب وتتابع الأنفاس منتظمة كأنها موسيقا نفسية , فإذا عبر عن تجربته – وهو في ظل هذه الموسيقا النفسية – جاء تعبيرة موزونًا منغمًا , ومعنى هذا أن أوان الشهر ظل هذه الموسيقا النفسية – جاء تعبيره موزونا منغما , ومعنى هذا أن أوزان الشعر تعبير عن حركة نفسية انفعالية , وهذا ما يجعل الأوزان ركنًا أساسيا من أركان الشعر , فإذا لم يكن هناك شعر بدون عاطفة فليس هناك شعر بدون أوزان.
والخلاصة :</B> أن الإنسان حينما تهيأ لإنشاء الشعر كان عاطفياً تسيطر العاطفة على نفسه , خياليًا يغلب الخيال على نظرتة , وأن العاطفة كانت لها موسيقاها النفسية وحركتها الخارجية , وأن الوزن الشعري جاء على وفق موسيقا النفس وحركات الجسم , وهذا ما يجعل الشعر لا يقوم – منذ نشأ – إلا بالعاطفة والخيال والموسيقا . فهل نشرع منذ الآن في تناول عناصر الشعر وأولها العاطفة ؟ فلنفعل ,,, ولكن لنعلم منذ الآن أيضا أننا سنتناول القصيدة الشعرية قبل أن نفرغ لسواها من فنون الشعر . العناصر الشعرية تابع ^^^ ^^ ^ ارجو من الاداره او المشرف تثبيت الموضوع لحين ياخد حقه | |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:26 pm | |
| العناصر الشعرية
أولا : العاطفة : أؤكد لكم دائمًا أن القصيدة عمل فني متكامل , ولكن ذلك لا يمنع الناقد من تحليلها إلى عناصر خمسة هي : العاطفة , والفكرة , والصورة , واللغة , والموسيقا , وسنتحدث الآن عن هذه العناصر الشعرية , في ظل إيماننا المطلق بتكاملها داخل العمل الشعري الممتاز. إذا نظررنا إلى الموضوع الواحد , كالبحر مثلا , نظرة موضوعية ليست صادرة عن انفعال , فإننا لا نكاد نختلف في وصف حالة هذا الموضوع , فنقول مثلاً : لقد كانت أمواج البحر عالية صخّابة , حتى خاف راكبوا السفينة على أنفسهم شر الغرق , وبعد حين هدأت الأمواج , فهدأت نفوس الخائفين . إننا في هذه الحالة نعبر عن الفكرة أو المعنى بلغة الحياة العملية العادية , لأن عاطفتنا لم تتصل بالموضوع , ولكن الشاعر لا يقف من الموضوع هذه الوقفة العقلية المحايدة , إن عاطفته تتحد بالموضوع حتى يصبح الموضوع جزءًا من تجربة نفسية , وحينئذ يكتسب الموضوع صفات ليست له في الواقع المشاهد , فترى البحر مثلاً وقد شُخص فأصبح إنسانا حيًا ذا إرادة وعقل وشعور , وذا سلوك يختلف باختلاف الحالة النفسية . فإذا نظرت إلى البحر وأنت ممتلئ النفس خشوعًا وهيبة لله , وإعجابًا بصنعه تعالى , فإنك تقول مع شوقي:
ربِّ إن شئـتَ فالـفضــاءُ مضيقُ *** وإذا شئـتَ فالمـضــيقُ فضـاءُ يتــولى الــبـحارَ مَهـــما ادلهمّتْ *** منــك في كلِّ جانــبٍ لأَلاءُ وإذا مـا عَلــَتْ فــذاك قيــامٌ *** وإذا ما رغــتْ فذاك دعـاءُ فإذا راعــهـــا جلالُــكَ خرَّت *** هيبـــةً, فهـيَ والـبســاط سواءُ
أي أنك في هذه الحال تتصور البحر عابدا لله في محراب الكون: أمواجه العالية صلاة قام يؤديها لله , وصوت رغائه دعوات أخذ يرفعها لله , وسكون أمواجه هيبة أمام جلال الله. ولكن إذا نظرت إلى البحر وأنت تركبه , وهو عاصف يوشك أن يغرق سفينة أنت راكبها , ثم وهو هادئ وقد نجوت وحمدت الله .. لو نظرت إليه وأنت ممتلئ النفس خشية منه وفزعًا , وامتنانًا لله وشكرًا , وشماتة بالبحر بعد أن أذل الله طغيانه .. قد تقول مع حافظ ابراهيم :
عاصـفُ يرتمـي و بـحــر يغـيرُ *** أنـا بالله منهــما مـســتـجـيرُ وكـأن الأمـواج – وهـي تَوَالى *** محنقـاتٍ – أشجـانُ نَفْسٍ تثورُ أزبدتْ , ثم جَرْجَرت , ثم ثارتْ *** ثم فارتْ كما تفـور الـقـدورُ ثم أوفتْ مثـلَ الجـبـالِ على الفُلْـ *** كِ, ولـلفــلكِ عزمــةٌ لا تخور وعــليهــا نفــوســنــا خائــراتٌ *** جازعــاتٌ, كادت شَعَـاعا تطير في ثنايــا الأمــواجِ والـزَّبَدِ المنـ *** دوفِ لاحـتْ أكفـانُنـا و القبـور مرَّ يومٌ و بــعض يومٍ علينــا *** والمـنـايا إلى الـنـفــوس تشــير ثم طافــت عـنــاية الله بالــفــلـ *** ك , فزالـتْ عمن تُقِـلُّ الشرور ملكــتْ دَفـْةَ الــنـجــاةِ يدُ الـلـ *** ـهِ فسـبـحـان من إليـه المصــير أمَـرَ البحـرَ , فاستكـان وأمسى *** منـه ذاك العبـابُ وهُـو حصــير أيُهـا البحـرُ , لا يغـرَّنْـك حولٌ *** واتِّـسـاعٌ و أنــت خلقٌ كبــير إنــما أنــت ذرةٌ في إنــاء *** ليس يدري مداهُ إلاَّ الـقــدير
أي أنك في هذه الحالة تتصور البحر جيشًا مغيرا , أمواجه ذات صدر حانق ساخط , فإذا أمره الله استكان وصارت أمواجه حصيراً , وكيف لا يخضع وهو – على اتساعه وقوته – قطرة في إناء لا يعرف مداه إا الله ؟ لقد اتحدت عاطفة كل من الشاعرين بالبحر , فكان أن رأينا بحرين مختلفين : بحر شوقي بحر ضارع عابد لله , في ثورته عبادة , وفي سكونه عبادة , وبحر حافظ بحر عاصف مغير حانق , ولكنه حين يأمره الله هادئ مستكين.
أثر العاطفة في الصور والخيال اتحاد العاطفة بالموضوع - إذن – يغير معالمه الواقعية , ويعطيه أبعادًا وصفات جديدة , ويجعل من الموضوع الواحد موضوعات متعددة تختلف باختلاف الشعراء بل باختلاف الحالة النفسية التي اتحدت بالموضوع . والصفات الجديدة للمضوع من صنع الخيال , غير أن الخيال لا ينشط لتصور الأشياء بدون عاطفة , ولا قيمة لصورة خلوِّ من عاطفته تعبر عنها , وتبتعثها في نفوسنا , فما الذي شخص البحر عند حافظ وجعله مغيرًا حانقا ولم يجعله عابدًا في ثورته وهدوئه كما فعل شوقي ؟ إنها الحال النفسية التي عاناها حافظ من خوف وفزع , وما الذي جعل الموج المرتفع صلاة قائم عند شوقي ولم يجعله جبالاً تكاد تنقض على الفلك كما هو عند حافظ ؟ إنها الحالة النفسية الروحية التي كان يمتلىء بها قلب شوقي . وهكذا تختار العاطفة ما يلائمها من الصور , فتنشط القدرة على التخيل لالتقاطها .
أثر العاطفة في الكلمات : كما تُحتّم العاطفة على الشاعر اختيار صور خاصة لتبرزها , تفرض عليه استخدام كلمات خاصة لتعبر عنها , فالحالة الوجدانية الروحية عند شوقي جعلته مثلاً يبدأ تلك المجموعة من الابيات بهذا النداء المقدس : (( رب )) , والحالة النفسية الفزعة عند حافظ أملتْ عليه أن يبدأ قصيدته بهذا اللفظ المثير : (( عاصف )) . ولا يتسع المجال هنا لتتبع المزيد من كلمات النصين فحسبك من التمثيل ما أبدى لك أن للعاطفة أثرها الكبير في اختيار الشاعر لكلماته .
أثر العاطفة في الموسيقا الخارجية : انفساح البحر وما فيه من أمواج تعلو وتهبط كذلك , فإذا قرأت بصوت مرتفع هذه التفعيلات ( وهي وزن أبيات النصين ) :
فاعــلاتـن مسـتفـعلن فاعــلاتـن *** فاعــلاتـن مسـتفـعلن فاعــلاتـن
فإنك تحس بهذا التبادل بين العلو والهبوط. ولم يظهر أثر العاطفة في الوزن الشعري فحسب , فإن شوقي اختار قافية الألف الممدودة وهي أقرب إلى المناجاة لأنها صوت أقرب إلى الهمس , أما حافظ فقد اختار قافية الراء وهي أقرب إلى خرير الماء وجرجرة الأمواج .
أثر العاطفة في الموسيقا الداخلية: ولم يكتف حافظ بالراء في القافية حتى كررها في بيت عدة مرات حين صور في هذا البيت تصاعد خطر الأمواج , وذلك في قوله:
أزبدتْ , ثم جَرْجَرت , ثم ثارتْ *** ثم فارتْ كما تفـور الـقـدورُ
ثم انظر إلى نفسك وأنت تقرأ هذا البيت ألا تشعر بأنك تعاني انفعالاً صاعدًا متزايدًا درجة إثر درجة ؟ ثم ألا ترى أن حُسْن التوازن بين العبارات تمثل موسيقا النفس ؟ وتأمل موسيقا انفعالاتك حين تعو مع الامواج وحين تهبط , كأن تنهداتك انتظمت , ألا يتلاءم هذا مع تنغيم العبارات في أبيات شوقي وخاصة في البيتين الآخرين :
وإذا مـا عَلــَتْ فــذاك قيــامٌ *** وإذا ما رغــتْ فذاك دعـاءُ فإذا راعــهـــا جلالُــكَ خرَّت *** هيبـــةً, فهـيَ والـبســاط سواءُ
قد ظهرت العاطفة في اختيار الوزن والقافية الملائمين , ولا نريد بهذا أن نقرر وجود علاقة ثابتة بين أنواع العواطف من جهة والأوزان من جه أخرى , ولكنها ملحوظة سجلناها فقط على هذين النصين وربما لا تتكر في كثير من النصوص الشعرية , والوزن والقافية يؤلفان معًا ما يسمى بالموسيقا الخارجية . كما ظهرت العاطفة في اختيار الكلامت , والعبارات ذات الموسيقا الخاص , بالقدر الذي تتسع له طبيعة اللغة وقدرة الشاعر على التعبير , وتآلف العاطفة مع الكلمات والعبارات على هذه الصورة ينتج نوعًا من الموسيقا الداخلية .
| |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:27 pm | |
| العناصر الشعرية
أولا : العاطفة : أؤكد لكم دائمًا أن القصيدة عمل فني متكامل , ولكن ذلك لا يمنع الناقد من تحليلها إلى عناصر خمسة هي : العاطفة , والفكرة , والصورة , واللغة , والموسيقا , وسنتحدث الآن عن هذه العناصر الشعرية , في ظل إيماننا المطلق بتكاملها داخل العمل الشعري الممتاز. إذا نظررنا إلى الموضوع الواحد , كالبحر مثلا , نظرة موضوعية ليست صادرة عن انفعال , فإننا لا نكاد نختلف في وصف حالة هذا الموضوع , فنقول مثلاً : لقد كانت أمواج البحر عالية صخّابة , حتى خاف راكبوا السفينة على أنفسهم شر الغرق , وبعد حين هدأت الأمواج , فهدأت نفوس الخائفين . إننا في هذه الحالة نعبر عن الفكرة أو المعنى بلغة الحياة العملية العادية , لأن عاطفتنا لم تتصل بالموضوع , ولكن الشاعر لا يقف من الموضوع هذه الوقفة العقلية المحايدة , إن عاطفته تتحد بالموضوع حتى يصبح الموضوع جزءًا من تجربة نفسية , وحينئذ يكتسب الموضوع صفات ليست له في الواقع المشاهد , فترى البحر مثلاً وقد شُخص فأصبح إنسانا حيًا ذا إرادة وعقل وشعور , وذا سلوك يختلف باختلاف الحالة النفسية . فإذا نظرت إلى البحر وأنت ممتلئ النفس خشوعًا وهيبة لله , وإعجابًا بصنعه تعالى , فإنك تقول مع شوقي:
ربِّ إن شئـتَ فالـفضــاءُ مضيقُ *** وإذا شئـتَ فالمـضــيقُ فضـاءُ يتــولى الــبـحارَ مَهـــما ادلهمّتْ *** منــك في كلِّ جانــبٍ لأَلاءُ وإذا مـا عَلــَتْ فــذاك قيــامٌ *** وإذا ما رغــتْ فذاك دعـاءُ فإذا راعــهـــا جلالُــكَ خرَّت *** هيبـــةً, فهـيَ والـبســاط سواءُ
أي أنك في هذه الحال تتصور البحر عابدا لله في محراب الكون: أمواجه العالية صلاة قام يؤديها لله , وصوت رغائه دعوات أخذ يرفعها لله , وسكون أمواجه هيبة أمام جلال الله. ولكن إذا نظرت إلى البحر وأنت تركبه , وهو عاصف يوشك أن يغرق سفينة أنت راكبها , ثم وهو هادئ وقد نجوت وحمدت الله .. لو نظرت إليه وأنت ممتلئ النفس خشية منه وفزعًا , وامتنانًا لله وشكرًا , وشماتة بالبحر بعد أن أذل الله طغيانه .. قد تقول مع حافظ ابراهيم :
عاصـفُ يرتمـي و بـحــر يغـيرُ *** أنـا بالله منهــما مـســتـجـيرُ وكـأن الأمـواج – وهـي تَوَالى *** محنقـاتٍ – أشجـانُ نَفْسٍ تثورُ أزبدتْ , ثم جَرْجَرت , ثم ثارتْ *** ثم فارتْ كما تفـور الـقـدورُ ثم أوفتْ مثـلَ الجـبـالِ على الفُلْـ *** كِ, ولـلفــلكِ عزمــةٌ لا تخور وعــليهــا نفــوســنــا خائــراتٌ *** جازعــاتٌ, كادت شَعَـاعا تطير في ثنايــا الأمــواجِ والـزَّبَدِ المنـ *** دوفِ لاحـتْ أكفـانُنـا و القبـور مرَّ يومٌ و بــعض يومٍ علينــا *** والمـنـايا إلى الـنـفــوس تشــير ثم طافــت عـنــاية الله بالــفــلـ *** ك , فزالـتْ عمن تُقِـلُّ الشرور ملكــتْ دَفـْةَ الــنـجــاةِ يدُ الـلـ *** ـهِ فسـبـحـان من إليـه المصــير أمَـرَ البحـرَ , فاستكـان وأمسى *** منـه ذاك العبـابُ وهُـو حصــير أيُهـا البحـرُ , لا يغـرَّنْـك حولٌ *** واتِّـسـاعٌ و أنــت خلقٌ كبــير إنــما أنــت ذرةٌ في إنــاء *** ليس يدري مداهُ إلاَّ الـقــدير
أي أنك في هذه الحالة تتصور البحر جيشًا مغيرا , أمواجه ذات صدر حانق ساخط , فإذا أمره الله استكان وصارت أمواجه حصيراً , وكيف لا يخضع وهو – على اتساعه وقوته – قطرة في إناء لا يعرف مداه إا الله ؟ لقد اتحدت عاطفة كل من الشاعرين بالبحر , فكان أن رأينا بحرين مختلفين : بحر شوقي بحر ضارع عابد لله , في ثورته عبادة , وفي سكونه عبادة , وبحر حافظ بحر عاصف مغير حانق , ولكنه حين يأمره الله هادئ مستكين.
أثر العاطفة في الصور والخيال اتحاد العاطفة بالموضوع - إذن – يغير معالمه الواقعية , ويعطيه أبعادًا وصفات جديدة , ويجعل من الموضوع الواحد موضوعات متعددة تختلف باختلاف الشعراء بل باختلاف الحالة النفسية التي اتحدت بالموضوع . والصفات الجديدة للمضوع من صنع الخيال , غير أن الخيال لا ينشط لتصور الأشياء بدون عاطفة , ولا قيمة لصورة خلوِّ من عاطفته تعبر عنها , وتبتعثها في نفوسنا , فما الذي شخص البحر عند حافظ وجعله مغيرًا حانقا ولم يجعله عابدًا في ثورته وهدوئه كما فعل شوقي ؟ إنها الحال النفسية التي عاناها حافظ من خوف وفزع , وما الذي جعل الموج المرتفع صلاة قائم عند شوقي ولم يجعله جبالاً تكاد تنقض على الفلك كما هو عند حافظ ؟ إنها الحالة النفسية الروحية التي كان يمتلىء بها قلب شوقي . وهكذا تختار العاطفة ما يلائمها من الصور , فتنشط القدرة على التخيل لالتقاطها .
أثر العاطفة في الكلمات : كما تُحتّم العاطفة على الشاعر اختيار صور خاصة لتبرزها , تفرض عليه استخدام كلمات خاصة لتعبر عنها , فالحالة الوجدانية الروحية عند شوقي جعلته مثلاً يبدأ تلك المجموعة من الابيات بهذا النداء المقدس : (( رب )) , والحالة النفسية الفزعة عند حافظ أملتْ عليه أن يبدأ قصيدته بهذا اللفظ المثير : (( عاصف )) . ولا يتسع المجال هنا لتتبع المزيد من كلمات النصين فحسبك من التمثيل ما أبدى لك أن للعاطفة أثرها الكبير في اختيار الشاعر لكلماته .
أثر العاطفة في الموسيقا الخارجية : انفساح البحر وما فيه من أمواج تعلو وتهبط كذلك , فإذا قرأت بصوت مرتفع هذه التفعيلات ( وهي وزن أبيات النصين ) :
فاعــلاتـن مسـتفـعلن فاعــلاتـن *** فاعــلاتـن مسـتفـعلن فاعــلاتـن
فإنك تحس بهذا التبادل بين العلو والهبوط. ولم يظهر أثر العاطفة في الوزن الشعري فحسب , فإن شوقي اختار قافية الألف الممدودة وهي أقرب إلى المناجاة لأنها صوت أقرب إلى الهمس , أما حافظ فقد اختار قافية الراء وهي أقرب إلى خرير الماء وجرجرة الأمواج .
أثر العاطفة في الموسيقا الداخلية: ولم يكتف حافظ بالراء في القافية حتى كررها في بيت عدة مرات حين صور في هذا البيت تصاعد خطر الأمواج , وذلك في قوله:
أزبدتْ , ثم جَرْجَرت , ثم ثارتْ *** ثم فارتْ كما تفـور الـقـدورُ
ثم انظر إلى نفسك وأنت تقرأ هذا البيت ألا تشعر بأنك تعاني انفعالاً صاعدًا متزايدًا درجة إثر درجة ؟ ثم ألا ترى أن حُسْن التوازن بين العبارات تمثل موسيقا النفس ؟ وتأمل موسيقا انفعالاتك حين تعو مع الامواج وحين تهبط , كأن تنهداتك انتظمت , ألا يتلاءم هذا مع تنغيم العبارات في أبيات شوقي وخاصة في البيتين الآخرين :
وإذا مـا عَلــَتْ فــذاك قيــامٌ *** وإذا ما رغــتْ فذاك دعـاءُ فإذا راعــهـــا جلالُــكَ خرَّت *** هيبـــةً, فهـيَ والـبســاط سواءُ
قد ظهرت العاطفة في اختيار الوزن والقافية الملائمين , ولا نريد بهذا أن نقرر وجود علاقة ثابتة بين أنواع العواطف من جهة والأوزان من جه أخرى , ولكنها ملحوظة سجلناها فقط على هذين النصين وربما لا تتكر في كثير من النصوص الشعرية , والوزن والقافية يؤلفان معًا ما يسمى بالموسيقا الخارجية . كما ظهرت العاطفة في اختيار الكلامت , والعبارات ذات الموسيقا الخاص , بالقدر الذي تتسع له طبيعة اللغة وقدرة الشاعر على التعبير , وتآلف العاطفة مع الكلمات والعبارات على هذه الصورة ينتج نوعًا من الموسيقا الداخلية
| |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:28 pm | |
| ثانيا:الفكرة: للعاطفة المقام الأول في الأسلوب الشعري , ولكن ليس معنى هذا أن نهدر الفكر فيه , فالفكر هو الذي يشرف على العاطفة , ويسندها , ويحدث التسلسل بين المشاعر , فيجعلها تتطور داخل تصميم رسمه الفكر لها , وإليك قصيدة الحجر الصغير لإيليا أبي ماضي :
سـمــعَ الــيلُ ذو انجــوم أنينًـــا *** وَهُــوَ يغـشى المــدينــةَ البيضــاءَ فانـحـنى فوقهـا كَمُسْــتَرِقِ الَهَمْـ *** ـس يطيـلُ السّكـوت والإصغـاء فرأى أهـلَهــا نيامًــا كأهــل الـ *** ـكـهفِ لا جَلـْبَـةً , ولا ضوضــاء ورأى السّــدَّ خلفهـا محكمَ البنْـ *** ـيانِ , والمـاءَ يشـبــه الـصحــراء كان ذاك الأنــينُ من حجــرٍ في الــسّــَدِّ يشـكــو المـقـادِرَ الـعـمـياء أيُّ شأن –يقول– في الكون شأني *** لسـتُ شيئًــا فيه , و لـست هبـاء لا رخــامٌ أنــا فأنــحــتَ تمثــا *** لاً و لا صخـــرةٌ تكــونُ بنــاء لسـت أرضـا فأرشف الماء أو ما *** ء فــأروى الحــدائــق الـغـنّــاء لسـت دُرًّا تنـافس الغـادةُ الحسْـ *** ـنــاءُ فيه المــليحــةَ الحــسنــاء لا أنــا دمـعـةٌ , ولا أنــا عينٌ *** لســتُ خالاً , أو وَجْــنَـةً حمراء حجــرٌ أغــبرٌ أنــا و حــقـــيرٌ *** لا جمالاً لا حكــمــةً لا مضــاء فلأغــادر هذا الـوجــود و أمضي *** بســلام , إني كرهــت الـبـقــاء وهـوى من مكـانـه وهـو يشكو الـ *** أرض, والشهبَ , والدجى , والسماء فتــح الفجــر جَفْنَـه فإذا الـطّـو *** فانُ يغـشـى المـدينــةَ الــبيضـاء
إنك تلاحظ أن الشاعر قد استطاع أن يحول شعور الخاص بالضآلة في مجتمع أمريكا المادي الآلي إلى صورة رمزية موضوعية تعكس أزمته وأزمة الإنسان المعاصر , الذي يرى الانتصارات المادية والعلمية والآلية , فيشعر بضعفه الإنسانس الفردي , ويرى المتسلطين على أقداره فيشعر بتفاهة دوره في الحياة , اختار الشاعر – بفكره – هذا القالب الرمزي الموضوعي ليصب فيه شعوره بأزة الإنسان العادي المعاصر. كما أنك تلاحظ أن الشاعر قد رتب الأفكار في داخل النص فأخذت القصة قالبًا عامًا لها سمح له أن يجعل الحجر يئن , ويشكو , ويسخط , ويقرر الإنتحار وينفذ قراره . كما تلاحظ أن الشاعر – عن عمد – قد اهتم بوصف جو الأمن والنوم العميق الذي استغرق فيه أهل المدينة , في ظل السد المحكم البنيان , حتى إذا أشار في بيت واحد مفاجئ بأن الطوفان غشى المدينة أحسست بفداحة المصيبة ومن ثم أحسست بقيمة الحجر الصغير الذي كان – في مكانه باسد – يمنع عن المدينة ذلك الطوفان . وهكذا يحقق الشاعر الغاية الإجتماعية من النص باختيار التصميم الذي يضع فيه مشاعره , وبترتيب هذه المشاعر وتنسبقها حتى تُحدث الأثر المطلوب , وهو أن لكل امرئ دورًا في الحياة يؤديه , لا تستقيم الحياة بدونه مهما بدا تافهًا ضئيلاً . ولا يقف دور الفكر في التجربة الشعرية عند هذا الحد , فقد يطلُّ عليك في صورة رأي صائب , أو حكمة عميقة نابعة من معايشة الحياة الإنسانية وما يسيطر عليها من سنن اجتماعية . وعلى أية حال لا تظل الأفكار في النص الشعري عملاً ذهنياً محضًا , لأنها تكتسب صبغة وجدانية من أمرين : هما : اتصالها بالحالة النفسية التي دعت إلى إنشاء القصيدة , واتصالها بالسياق من حولها , وبهذا تبدو الحكمة – في تركيزها ووضوحها – كأنها نقطة الضوء , في ضباب العاطفة المتأرجح حولها , وخذ مثلاً قول الخنساء وهي ترثي أخاها :
إنَّ الـزَّمان ومـا يَفنَى له عجبٌ *** أبْقَى لنا ذَنَبًا و اسْتُؤصِلَ الرَّاسُ إنَّ الجديدين في طُول اختلافهما *** لا يَفْسدان , ولكن يَفسد الناسُ
لقد اتخذت الشاعرة جناحين من عاطفة وفكر , فانطلقت بهما من مأساتها الخاصة المحدودة إلى المأساة العامة غير المحدودة عبر الأجيال : لقد استؤصل الرأس لأن صخرًا قد مات , ولقد بقي الذنب لأن من بقي حولها لا يسدّّ مسدّ أخيها , فوضعها ذلك في موقف نفسي وفكريِّ وأمكنها من إدراك حقيقة اجتماعية خالدة , وهي أن الليل والنهار لا يفسدان على طو اختلافهما ولكن الناس هم الذين يفسدون . وخلاصة القول : إن الفكر ضروري في القصيدة فهو يسند العاطفة , ويحدد مجراها , ويرسم إطارها , وهو قد يظهر في صورة حِكَم , ولكنه يظل أبدا مكسوًا بالعاطفة , نابعًا من السياق , إنه في هذه الحال يكون أحد أسرار الخلود للعمل الشعري . | |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:29 pm | |
| ثالثًا: الصور والخيال : لا يقف الشاعرمن الوجود موقف العدسة المصورة , يلتقط الواقع كما هو , الأن للشاعر , كما عرفت , عاطفته التي تلوِّن المرئيات , وتخلع عليها صفات ليست لها في الواقع المشاهد , وتنتخب من بين صفاتها ما يلائمها , وقديمًا قال أبو ذؤيب الهذليّ لمن أحب :
وأرى البـلاد إذا سكنـتِ بِغيرهـا *** جدبـا , وإن كانت تُطَلُّ وتخصِبُ
فإحساسه بالوحشة بعد هجرة من أحب حجب عنه كل رؤية جميلة للواقع من حوله وبدّله بصورة الخصب جدبا. ولقد تبين لك فيما سلف ما للعاطفة من أثر مباشر في التصوّر , وتحريك القدرة عى التخيل , فإذا استطاع الشاعر أن يسجل في أمانة ودقة ما تصوره وتخيله كنا أمام (( صورة شعرية )) تقوم الكلات البارع الموفقة يها بدور الفرشاة في يد الرسام , فالكلمات تساعد خيالنا على تكوين صورة قريبة من الصورة التي رآها الشاعر بعين الخيال . وأول شرط من شروط الصورة الموفقة أن تكون مصوّرة لحالة نفسية صادقة فإذا رأيت الشاعر الأموي .. (( ذا الرمة )) قد عاد إلى ديار أحبابه , فوجدها أطلالاً , ثم سمعته يقول :
عشــية ملي حيلةٌ غير أنــني *** بلقْط الحصى والخطِّ في الترب مولعُ أخط , و أمحو الخطَّ ثم أُعيدُهُ *** بكِّفيَ , والغــربـان في الــدار وقّـع كأنّ سنـانًـا فارســيًا أصـابــني *** على كبدي , بل لوعة احزن أوجع
فإنك تشعر أن الصورة قد أريد منها تصوير حالة الحيرة والحزن والكآبة واللوعة الموجعة التي سيطرت على الشاعر , فلم يجد له حيلة غير أن يجلس يلتقط احصى , ويخط بكفه في التراب , ثم يمحو الخط ليعيده كرة أخرى , ولا مؤنس له إا الغربان الواقعة من حوله تدخل الوحشة على نفسه . والصورة في حدود البيتين الأولين موققة في نقل هذه المشاعر وإشاعتها في نفس القارئ , وهي بهذا صادرة عن ملكة التخيل النشطة عند (( ذي الرمة )) ولكن الشاعر لم يكتف بما حققت صورته من توفيق في البيتين فضم إليهما البيت الثالث , ليؤكد المعنى ويزيده وضوحًا , وليبرز الشعور ويزيده عمقًا , ولعلك ترى معي أن البيت الثالث أسرف في إيضاح الصورة حتى أحترقت من كثرة الضوء . والشرط الثاني للصورة الشعرية الموفقة أن تترابط أجزاؤها وتتكامل , واقرأ مثالاً على ذلك قول أبي الفتح محمود بن الحسين الشاعر العباسي يصف روضًا :
وروضٍ عن صنـيع الغيث راضٍ *** كما رضِيَ الصــديقُ عن الصَّــديقِ إذا مـا القـطْرُ أسعـده صَبـوحًـا *** أتــمَّ له الصنيعــة في الغبــــوق كأن غُصُـونَـه سُـقِـيَتْ رَحـيقًــا *** فماسَــت مَيْسَ شُرَّابِ الــرَّحـــيق يُذكّــرُني بَنَــفْـــسَــجُــهُ بَقَــايا *** صَنيعِ اللّطمِِ في الــوجهِ الـــرَّقيقِ
تصور الأبيات الثلاثة الاولى صداقة ومحبة بين الروض والغيث , فالمطر يتعهد الروض فيسقيه صباحًا ومساء برحيق مسكر , يجعه يتمايل نشوة وطربًا , وفي هذه الأبيات تبدو الصور متلاحقة مترابطة تؤدي – على الرغم من ابتذال ألفاظها وعباراتها – شعورًا واحدًا ناميًا , إذا ما قرانا البيت الرابع بعد ذلك شعرنا بصدمة نفسية عنيفة , وبخيبة أمل تامة , أفي جو النشوة والطرب يبدو البنفسج الجميل كوجه رقيق فيه آثار لطمات ؟ إنه الفن الشعري هو الذي لُطِم خده وليس البنفسج , إن هذا دليل عى أنه ليس وراء الصور عاطفة صادقة مسيطرة على الشاعر , تمتد من صورة إلى أخرى , وتلوِّن , هذه بلون تلك , حتى تخلق بينها وحدة شاملة . والشرط الثالث للصورة الشعرية الموفقة : الاعتدال وعدم المبالغة , فالمبالغة في التعبير عن العاطفة مثل ققدانها , كلاهما يؤدي إلى إفساد اصورة . ومن أسباب المبالغة : أن يكون الشاعر في إيراده للصورة أو المعنى مقلدًا , أما المبتكرون المبدعون فلا ينشطون للمبالغة , والشاعر قد يكون مبتكرًا في مواطن ومقلدًا في أخرى , فالعباس بن الأحنف الشاعر العباسي رأى غيره من الشعراء يتحدثون عن الدموع ويتخذونها آية على الحزن , فلم يقنع هو بذرف الدموع قطرات وهو يسطر رسالة أحبابه حتى جعل الدموع تنصبُّ من دلو عظيمة :
أخط وأمحو ما خططت بعبرة *** تسحّ عى القرطاس سحَّ غَروب
ولكن الاعتدال أجدى : فإن شاعرًا فنانًا يعرف كيف يؤثر فينا بدمع عصيُّ عزيز أكثر من هذا الدمع المدرار عند العباس بن الأحنف , واقرأ في ذلك قول قيس يصور دمع ليلاه , كيف كان حائرًا في جفنها وهي مسافرة مودعة , وانظر في أية لحظات بدأت العين تسلم دمعها :
وممـا شجـاني أنها يوم ودَّعـت *** تولّت ومـاء العـين في الجفن حائـر فلـما أعــادت من بعــيد بنـظرة *** إلـىَّ التفــاتًــا أسلمتــه المحـاجـر
هذا الذي شجاه أليس يشجينا معه ؟ ألا تهزنا صورة الكبرياء في صراعها مع الحزن .. هذا الصراع الذي جعل الدمع حائرًا في الجفون ؟ ألا تهزنا صورة المسافة التي أرادت أن تتزود بنظرة قد تكون الأخيرة وأبت كبرياؤها فلم تنظر حتى ابتعدت , وعندئذ فقط سمحت المحاجر بدمعها فأسلمته ؟ إن هذا لأشد فعلا في النفس من دلو عظيمة تسح بالدمع سحًا . ما بالمبالغة والإسراف يتحقق التأثير , ولكن بالصدق والاعتدال .
الصورة والبيان : لا تستلزم الصورة دائمًا أن تكون كلماتها مجازية أو صورًا بيانية , فقد رأيت في بيتي ذي الرَّمة :
عشــية ملي حيلةٌ غير أنــني *** بلقْط الحصى والخطِّ في التر مولعُ أخط , و أمحو الخطَّ ثم أُعيدُهُ *** بكِّفيَ , والغــربـان في الــدار وقّـع
كلمات مستعملة استعمالاً حقيقيًا , ولكنها مجتمعةً تحمل من الشعور ما لا تحمله استعارات وتشبيهات , وتستطيع أن تدرك هذا إذا وازنت في نفسك بين أثر هذين البيتين وأثر البيت التالي لهما بما فيه من تشبيه :
كأَنَّ ســنــانًـــا فارسًّـــيًا أصـابــني *** على كبدي , بل لوعة الحزن أوجع
وليس معنى هذا أن الكلمات الحقيقية أبلغ دائمًا في نقل الشعور وتصويره , ولكن المدار على وضع كل شيء في موضعه , هذا ما يجعلنا نقرر أن الصورة الموفقة هي التي يتطلّبها الموقف , حيث لا يتم نقل عاطف الشاعر كاملة أو نقل فكرته تامة إلا من خلال هذه الصورة , إن مثل هذه الصورة لا يمكن أن تكون تزييفًا للواقع أو ابتعادًا عنه , ولكنها تعميق لإحساسنا به , فليس الأمر كما قيل من أن (( أعذب الشعر أكذبه )) , ولكنه كما قال الشاعر :
وإن أحــســن بيتٍ أنـت قائـله *** بيتٌ يقـال إذا أنشـدته : صدقـا | |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:29 pm | |
| رابعًا : لغة الشعر :
رُوي أن رجلاً قال للشاعر العباسي (( ابن هّرْمة )) : ألست القائل : بالله ربك إن دخلتَ فقلْ لها: *** هذا ابن هرمة قائمًا بالباب؟
فقال له : لم أقل : قائمًا , أكنتُ أتسوّل ؟ لكني قلت : بالله ربك إن دخلت فقل لها: *** هذا ابن هرمة واقفًا بالباب
ولقد رفض الشاع (( قائماًً بالباب )) لأنه تعبير يوحي بأنه ثقيل الظل , ملازم لبابها لا يبرحه , فالتعبير بالقيام يستدعي الاستمرار والدوام , واختار الشاعر (( واقفًا )) لأنها لفظة تدل على مكانه دون أن يكون فيها إيحاء بثقل ظله , فكأنه أراد أن يقول لها : إنه بالباب , فإذا شاءت دخل , وإن شاءت انصرف . والإيحاء : أهم شرط في لغة الشعر , بل هو غاية اللغة الشعرية , معنى إيحاء الكلمة إثارتها في النفس معاني كثيرة غير مباشرة , لا تسجلها المعاجم اللغوية , ويتحقق الإيحاء باختيار الكلمات ذات الموسيقا الملائمة , وذات القدرة على رسم صورة للشعور , لا بالكلمات التي تسمّي الشعور بطريقة تقريرية , ولتوضيح ذلك تعال فاقرأ هذه الأبيات للشاعر الكويتي المعاصر (( محمد الفايز )) , من قصيدته المطولة (( مذكرات بحار )) وقد وردت في مطلع (( المذكرة السادسة عشرة )) :
الأرض تطردنا وتَلْفظُنا البحارْ للقاعِ , أو لسواحلٍ ظَمأى تعَرْبدُ في مجاهلها الرياحْ واليلُ , حيثُ كهوفُه السّوداء كالأشداقِ تملؤها العظامْ وهياكل الموتى الذين رماهُمُ البحرُ المعربدُ في الظلامْ ها نحن تحت الريحِ نبحثُ عن ضفافْ الريح حطّمتِ السفينةَ فَهْيَ ألواحٌ يبعثرها العُبابْ كعظام إنسان تُكَسّرُها الخناجرُ والحرابْ والأفقُ أسودُ كالعيونِ المُطفآتْ
إن كلمات هذه الأبيات توحي في القوة بالتشرد والضياع , وبقسوة الطبيعة الرهيبة , فهي كلمات مصورة مشحونة بعاطة , انظر إلى الأرض إنها (( تطرد )) وإلى البحار إنها (( تلفظ )) ! ألا ترى وراء الطرد واللفظ إحساسًا بضياع وتشرد ؟
ألا توحي إليك هذه العبارة (( تلفظنا البحار )) بصورة موجة عالية تقذف بالبحّار ورفاقه إلى الشاطئ؟ وأي شاطئ ؟ (( ظمآن )) تعربد الرياح في مجاهله , ألا يؤكد هذا إحساس البحار بالضياع ؟ ثم انظر إى كلمة (( الرياح )) وتكرارها في الأبيات , فهي تعربد على السواحل , وهي تحطم السفينه فوق العباب , وهي عبء ثقيل يعيش (( تحته )) البحار وأصحابه . وهذه الكهوف السوداء والأشداق الممتلئة عظامًا ألا تخيفك وأنت تقرأ بعيدًا عن الأخطار ؟ ألا تفزعك حتى لتتصور أنها فتحت أمامك تريد أن تحتويك وتطبق عليك ؟ يؤكد هذا الشعور استخدام الشاعر لكمات (( العظام , والظلام , والعيون المطفآت )) . ثم تأمل موسيقا الألفاظ , إن محمدًا الفايز لم يقل : (( والليل حيث كهوفه السوداء (( كالأفواه )) تملؤها العظام )) ولكنه قال : (( والليل حيث كهوفه السوداء (( كالأشداق )) تملؤها العظام )) . والأشداق لفظ رهيب يوحي بالقسوة والطحن والإبتلاع , وهو لفظ ذو موسيقا بشعة وحروف متنافرة ولكنه مع هذا ومن اجله يتلاءم وإحساس البحّار بالفزع . الألفاظ كما ترى أصبحت ترجمانًا للحالة النفسية توحي بها في قوة وصدق , لأنها تعبر بالصورة والموسقا الناشئة من جرس حروفها عن وجدان البحّار المرهق المضيع , وهذا هو السر في توفيق الذي حققته الكلمات , ولو قال لك الشاعر ألف مرة إننا مرهقون مشردون ضائعون نخاف الأرض والبحر فكلاهما مخيف رهيب ... لما أثر في نفسك مثل هذا التأثير , ولكنه تجنب هذه العبارات التقريرية واتجه إلى عباراته التصويرية فصاحبه التوفيق . ما قيمة أن يسمي الشاعر شعوره فيقول لك : أنا خائف أو محب أو ثائر أو غاضب دون أن يصور لك خوفه وحبه وثورته وغضبه ؟ إن تسمية الشعور باسمه لا يزيد على أن يعرفنا به , ونحن نقرأ الشعر لنعرف , ولكن لنشعر وليزداد شعورنا عمقًا, والسبيل إلى ذلك هو التصوير وليس التقرير .
عيوب لغة الشعر : ولا يستطيع الشاعر أن يسيطر على لغته فيجعلها موحية مصورة مؤثرة إلا إذا تخلص قبل ذلك من عيوب الكلمات وعيوب العبارات : فلم تكن كلماته غريبة يحار القارئ في معناها , فقد عيب على امتنبي استخدام كلمة (( ابتشاك )) بمعنى الكذب في قوله :
ومــا أرضــى مقــلتــه بحُــلم *** إذا انتـبـهـت تَوَهَّمَـهُ ابتشـاكـا
قال اثعالبي : ولم أسمع في هذه الكلمة شعرًا قديمًا ولا محدثًا سوى هذا البيت . وكما لا تكون الكلمات غريبة لا تكون سوقية مبتذلة , كما ترى في البيت ابن سناء الملك :
صليني وهـذ ا الحـسن باقٍ فربـما *** يُعـزَّل بيتُ الحسن منـه ويكنس
قال القاضي الفاضل يعلق على القصيدة التي منها هذا البيت : (( والقصيد فائقة في حسنها , بديعة في فنها , ولكن بيت عزل ويكنس أردت أن أكنسه من القصيدة )) . ويتجلى لك مدى إسفاف الكلمات في بيت ابن سناء إذا وازنتها بكلمات أخرى عبرت عما أراده ابن سناء , بعيدًا عن الألفاظ المبتذلة :
زودينـا من حُسـن وجـهــكِ مادا *** مَ فَحُـسْـنُ الـوجـوه حالٌ تَحُولُ وصـلينـا نصـلْـكِ في هذه الــدُّنـ *** ـيا فإنَّ المُـقــامَ فيهــا قلـيــلُ
على أن الشاعر قد يلتقط من الكلمات التي شاعت على الألسنة ما يحس بفطرته الشاعرة أنها قد اكتسبت بالاستعمال حياة , فيستعملها , كما استعمل اسماعيل صبري كلمتي (( نافعة وشافعة )) في قوله ينهى قلبه عن تذكر الأحباب :
أقصِرْ فُؤادي فما الذكرى بنافعةٍ *** ولا بشــافـعـةٍ في ردِّ ما كانــا
والمدار دائمًا على السياق الذي يضع فيه الشاعر لفظه . وكما لا تكون الكلمات في لغة الشعر غريبة , ولا سوقية مبتذلة , لا تكون مخالف لقوانين اللغة والنحو , كما يفعل شعراء المهجر لغير ضرورة فنية مقنعة , فإنك في قصيدة واحدة هي (( من أنت يانفسي؟ )) لميخائيل نعيمة تصطدم بعدة مخالفات لغوية ونحوية : فالعنوان كان حقه أن يكون (( ما أنت يا نفسي ؟ )) لأنه يسأل عن حقيقة نفسه كأنه يقو ماذا تكونين ؟ من أي شيء ؟ ثم تقرأ فتجده يقول :
إن سمعت ِ الرعد يَدوِي *** بين طيّاتِ الــغــمامْ
والصواب (( يُدوِّي )) , ثم تجده يتساءل قائلاً :
هل من البرق انفصلت أم مع الرعد انحدرت ؟ والصواب أن يستفهم (( بالهمزة )) مع (( أم )) ولا يصلح هنا الاستفهام (( بهل )) . وينبغي كذلك ألا يكون تركيب الكلمات سببًا في إبهام المعنى بأن يكون التركيب معقدًا كقول أبي تمام : والمجـدُ لا يَرْضَى بأن تَرْضَى بأن *** يرضى المعـاشرُ منـك إلا بالـرضـا
أو قول المتنبي : أنَّـى يكـون أبـا الـبريا آدمٌ *** وأبـوك , والثّقـلانِ أنتَ , محمـدُ
وليس معنى هذا أننا نريد المعنى ظاهرًا في وضوح سطحي , إذ ينبغي للمعنى أن يكون عميقًا لطيفًا يحوج إلى فكر , حتى لا يتساوى الشعر في وضوحه مع نداءات الباعة في الأسواق , وإنما الذي نريده ألا يكون غموض المعنى وفساده بسبب عيب في اللفظ أو العبارة . | |
| | | ahmed tarek عضـو مشـارك
عدد الرسائل : 42 العمر : 38 البلـــد: : الشرقيه الوظيفة: : حسبات قسم المخازن فى السياحه الهوايات: : القرائه والكتابه والسماع الاغانى والنت مزاجـى: : الهوايات: : نقاط : 6103 التقدير : 0 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: رد: -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده الثلاثاء مايو 19, 2009 2:31 pm | |
| خامسًا : موسيقا الشعر :
الـــوزن : ليكون في المعلوم لديك أن الموسيقا هي الفارق الحاسم بين الشعر والنثر , لكن ما مفهوم هذه الموسيقا ؟ وكيف تكون فارقة بين شعر ونثر ؟ إليك بيتين بينهما سطر من النثر , وقد جعل شوقي البيت الأول على لسان فتى يخاطب أبا الهول :
تحرَّك أبـا الهـولِ هذا الـزمـانُ *** تحرَّك ما فيه حتّـى الحـجـر
(( فلما أتمها أجابه آخر كان يختفي وراء التمثال وينطق بلسانه )) :
نجـيّ أبي الهـول آن الأوانُ *** ودانَ الـزمـاُ , ولانَ الـقـدر
إن الأذن المرهفة التي مرنت على حسن الإصغاء للشعر , تدرك أن البيت الشعري يتكون من عدة وحدات نغمية تتكرر فيه , كما يتكرر الإيقاع في الجملة الموسيقية , والوحدة النغمية هي توالي الأحرف المتحركة والساكنة على نحو منتظم دقيق وتسمى (( التفعيلة )) فإذا بلغت التفعيلات عددًا معينًا نشأ ما يسمى الوزن أو البحر. والتفعيلات التي يقاس بها بيت شوقي هي (( فعولن )) أربع مرات في كل شطر , وتعال جرب بنفسك , اقرأ التفعيلات الآتية بصوت مرتفع , متوقفًا قليلاً عقب كل تفعيلة : فعولن / فعولن / فعولن / فعولن *** فعولن / فعولن / فعولن / فعولن .
ثم اقرأ البيت الأول مما سبق كما قرأت التفعيلات , إنك تجد طواعية البيت للتقطيع على وفاق تقطيع التفعيلات لأنك قرأت البيت هكذا : تحرَّكْ / أبا الهوْ / لِ هذا الزْ / زَمَانُ *** تحر / ك مافيـ / ـه حتّى الْـ / حجر
أو إن شئت الدقة وانتبهت إلى الأصوات المسموعة التي تلفظت بها فإنك تعرف أنك قرأت البيت هكذا : تحرْرَكْ / أبـلهـوْ / لِهاذَزْ / زَمـانُ *** تحرْرَ / كَ مَا في / هِحَتْتَلْ / حجرْ
ففي التفعيلة الأولى نطقت بالحرف المشدد المضعف حرفين , وفي الثانية حذفت ألفين لأنهما يظهران في النطق , وفي الثالثة حذفت ألفين ولاما لأنها جميعًا لا تظهر في النطق , وهكذا فإن موسيقا الشعر تعتمد على الصوت المسموع لا على الحرق المكتوب , فلو قرأت عبارة (( كتاب جديد )) فإنك تسمعها هكذا (( كتابن جديدن )) لأن الوزن يسمع نونا ساكنة . وتلاحظ من مقابلة ( تحَرْرَكْ ) و ( فَعُوْلُنْ ) أن الحركات من فتح وضم وكسر متساوية , وأن السكون ( على الراء ) يساوي المد ( الواو ) . ويسمى البحر الذي جرت عليه هذه القصيدة ( المتقارب ) , وبحور الشعر العربي ستة عشر تختلف التفعيلات ونظام التفعيلات المستعملة فيها .
القافـــية : هي الأصوات التي تتكرر في أواخر الأبيات من القصيدة , والقافية بمنزلة الفواصل الموسيقية يتوقع السامع ترددها , ويستمتع بهذا التردد الذي يطرق الأذان في فترات منتظمة , وبعد عدد ثابت من التفعيلات . وقد احتلت القافية مكانًا هامًا في الشعر العربي , حتى كانت القصيدة تنسب إلى (( الروي )) وهو أبرز حروف القافية , فكان إذا قيل (( سينية البحتري )) مثلاً قفزت إلى الذاكرة قصيدة البحتري التي مطلعها :
صُنْتُ نَفْـســـي عما يُدَنِّسُ نَفْسي *** وتـرفَّعــتُ عن جَدَا كُـلِّ جبْس
لأن حرف (( الروي )) فيها هو السين , وكذلك دعيتْ قصيد أبي تمام التي مطلعها :
السيف أصــدق أنبـاء من الكتب *** في حده الحـد بين الجـد واللعب
بائيّة أبي تمام ... وهكذا .
الموسيقا الداخلية : ما حدثناك عنه من وزن وقافية هو ما يعرف بالموسيقا الخارجية , وهناك ما يعرف بالموسيقا الداخلية , ويكاد يكون هذا النوع أثرًا مباشرا للعاطفة واهتزازات النفس الشاعرة في حالة انفعالها , كما أنه ذو قيمة إيحائية عظيمة , ولهذا حدثناك عنه مرة في ظل العاطفة , واخرى في ظل الإيحاء . . وتكون الموسيقا الداخلية خفية إذا أثرت فيك القصيدة وهزت نفسك دون أن تدرك لهذا سببًا معينًا , لأنها حينئذ ثمرة للتكامل بين العناصر الشعرية المختلفة , وتآزرها على ترك أثر موحد في نفسك . كما تكون الموسيقا الداخلية ظاهرة إذا أمكنك أن تضع يدك على بعض أسبابها , فأنت قد تلمسها لمسًا إذا انتبهت مثلاً إى بعض المحسنات اللفظية الموفقة , أو إذا انتبهت إلى أن جرس الكلمات في القصائد الجيدة يكون هامسًا خافتًا في مواطن الرقة والوداعة , وعاليًا صخابا في مواطن العنف والشدة , أو إذا لحظت أن كثرة حروف المد أو قلتها في بعض الأبيات مرتبطة بالمعنى والشعور اللذين تعبر عنهما الأبيات . ومن أمثلة المحسنات اللفظية (( حسن تقسيم العبارات )) كما في قول البارودي يفخر ليسري عن نفسه , وليدفع عنها الشعور بالانهزام وهو في أسره :
قئــول و أحــلام الـرجـال عوازب *** صئــول و أفــواه المــنــايا فواغـر فلا أنــا إن أدنــاني الـوجــد باسم *** ولا أنــا إن أقصــاني العـدمْ باسر فما الفقر إن لم يدنسِ العرض فاضح *** ولا المـال إن لم يشرفِ المـرء ساتـر
ففي كل بيت عبارتان متوازنتان تمام التوازن , ولعلك لحظت أن الشاعر لم يكتف في البيت الأول والثاني بحسن التقسيم , حتى أضاف إليه (( الترصيع )) بقواف داخلية , فهو يضع (( صؤل )) في مقابل (( قئول )) ويضع (( أقصاني )) في مقابلة (( أدناني )) . ومن أقدم النماذج الموفقة لترصيع العبارات وحسن تقسيمها قول الخنساء : حامي الحقيقة , محمود الخليفة , مهـ *** ـديّ الــطريقـة, نفّـاع و ضـرار جوّاب قاصــية , جزّار ناصــية , *** عقّـــاد ألـــوية , للخـــيل جرار
إنك في الترصيع أو حسن التقسيم تجد أن العبارات الأولى قد خطّتْ لها في النفس مجرى , وتركت في الأذن صدى , فلما جاءت العبارة الثانية على مثال الأولى سارت في مجرى تألفه النفس , ورددت صدى تعرفه الأذن , فكأنك بهذا قد عزفت جملة موسيقية على آلة وترية , ثم أعدت عزفها على آلة أخرى , وبهذا تطرب النفس والأذن جميعا . | |
| | | | -:|[دراسة في الشعر و نقده]|:- منقول للفائده | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|