اعتبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن التعذيب بات أمرا شائعا داخل أقسام الشرطة والسجون في مصر, مشيرة إلى أن ثلاثة أشخاص ماتوا حتى الآن هذا العام جراء التعذيب.
كما ذكرت المنظمة أنها وثقت 567 حالة تعذيب على أيدي الشرطة منذ العام 1993 انتهت 167 حالة منها بالوفاة.
وقالت المنظمة في تقرير لها إن "التعذيب في مصر أصبح ظاهرة تقع على نطاق واسع داخل أقسام ومراكز الشرطة ومقار مباحث امن الدولة إضافة إلى السجون، كما تقع جرائم التعذيب أيضا في الشارع المصري في وضح النهار وأمام الكمائن وفي منازل المواطنين، في انتهاك واضح لكرامتهم وحريتهم المكفولة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان".
وتضمن التقرير الذي أصدرته المنظمة رصدا وتوثيقا لمئات من حالات التعذيب وسوء المعاملة التي قامت بها السلطات من العام 1993 حتى 2007، وذلك استنادا إلى "الشهادات الحية لضحايا التعذيب وشكاوى وبلاغات أهالي الضحايا ومحاضر تحقيقات النيابة العامة واستنادا إلى تقارير الطب الشرعي والتقارير الطبية الأخرى".
ومن بين حالات التعذيب التي أوردها التقرير رجل قال إن الشرطة أشعلت النار في جسده داخل قسم شرطة سيوة، وتعرض مواطن للتعذيب حتى الموت "بعد أن تم سحله وضربه" على أيدي قوات تابعة لمركز شرطة المنصورة.
ووصف التقرير المئات من حالات التعذيب بأنها مجرد "عينة محدودة" تشير إلى مدى شيوع التعذيب في أقسام الشرطة.
وعزا التقرير ظاهرة التعذيب إلى استمرار العمل بقانون الطوارئ الساري منذ اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 إضافة إلى ما وصفه التقرير بالقصور التشريعي عن ردع مرتكبي جرائم التعذيب من ناحية وعدم السماح للمتضرر باللجوء إلى القضاء لجبر الضرر الناتج عن التعذيب من ناحية أخرى.
يشار إلى أن اسم مصر ورد ضمن تقرير سنوي لوزارة الخارجية الأميركية نشر في مارس الماضي بوصفها واحدة من عدة دول تدهورت بها معايير حقوق الإنسان عام 2006.
وطبقا لمنظمة العفو الدولية التي مقرها لندن فإن "التعذيب أثناء الاحتجاز يمارس بشكل منهجي في مصر وفي معظم الحالات لا يقدم من يمارسونه إلى القضاء".
في المقابل تقول الحكومة المصرية إنها لا تتغاضى عن حالات التعذيب وإنها لا تقع إلا في أضيق الحدود. كما قالت وزارة الداخلية المصرية في السابق إن الحديث عن التعذيب المنهجي مبالغ فيها وإن الهدف منها هو تشويه صورة الشرطة في مصر.
وفي تقرير آخر "للجزيرة نت" تساءل كيف يفلت من العقاب من يمارسون التعذيب في أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة في مصر؟ هل يوجد في ثوب التشريع المصري ثقوب ينفذ منها هؤلاء؟ أم أن العيب ليس في القوانين والتشريعات وإنما في من يحترم هذه النصوص ويطبقها؟ وكيف السبيل لجعل مصر بلدا خاليا من التعذيب؟
ظاهرة أم حالات فردية؟
ليس الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعده هو وحده من قال للجزيرة نت "إن التعذيب في مصر يتم بصورة منهجية منظمة"، وإنما دأبت الكثير من منظمات حقوق الإنسان سواء داخل مصر وخارجها على قول ذلك في تقارير سنوية موثقة، كان آخرها تقرير اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب والذي قالت فيه "إن التعذيب في مصر سياسة منهجية متعمدة، يمارس على نطاق واسع من قبل رجال الأمن عند استجواب المتهمين والمشتبه بهم".
الحكومة المصرية -شأنها شأن كل الحكومات المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان- دأبت هي الأخرى على القول إن "التعذيب يحدث، لكنه يحدث كحالة فردية، وإن القضاء يقتص من كل من يثبت أنه متورط فيه".
قصص تشغل الرأي العام
في منطقة وسط بين تقارير المنظمات الحقوقية، وتصريحات المسؤولين يقف الرأي العام المصري متابعا تفصيلات المشهد فيكاد لا يمر يوم على محطة فضائية أو صحيفة مستقلة إلا وتستعرض واحدة أو أكثر من قصص التعذيب، موثقة بالاسم، مدموغة برقم القضية، وأحيانا ببعض الصور.
فبعد فترة قصيرة من القصة المشهورة التي راجت على شبكة الإنترنت والمنظورة حاليا أمام القضاء، والتي يصور فيها مقطع فيديو قيام أحد ضباط الشرطة المصريين بإنتهاك رجولة سائق أجرة يدعى عماد الكبير مستخدما عصاة، تعيش مصر هذه الأيام على وقع ثلاث قصص.
الأولى: جرت أحداثها في واحة هادئة تقع في قلب الصحراء الغربية تسمى سيوه، بطلها شاب يدعى يحيى عبد الله، والمتهم فيها ضابطا شرطة، والتهمة هي سكب كحول على جسد الضحية وإحراق جزء كبير منه وصعقه بالكهرباء في يديه وقدميه لإجباره على الاعتراف بشيء ما، ثم إجبار أحد سائقي الحافلات المتجهة إلى ليبيا بحمله وإلقائه خارج الحدود المصرية لإخفاء معالم الجريمة.
الثانية: في محافظة الجيزة، والمتهم أربعة من أمناء الشرطة، حاولوا إجبار ضحية يدعى ناصر صديق على التنازل عن بلاغ تقدم به ضدهم متهما إياهم بممارسة التعذيب، فلما رفض -على حسب قول زوجته وأبنائه- ألقوه من شرفة منزله من الطابق الرابع فسقط ميتا على الفور.
الثالثة: في محافظة الدقهلية، والمتهم بعض رجال الشرطة، والتهمة هي التعذيب المفضي لموت الشاب ناصر أحمد عبد الله الذي حاول إنقاذ ابنة أخيه من أيديهم تلبية لصراخها، ولم تنفعه مطالبة أمه العجوز عبر قناة الجزيرة رئيس الجمهورية أن يأخذ عينيها ويتركوا ولدها مكتفية بأن تبقى "عمياء تتوكز عليه في شيخوختها".
جدير بالذكر ان هذه الحالات هى التى علم بها الرأى العام المصرى اما ماخفى كان اعظم من حالات تعذيب يحاول اصحابها كتمانها خوفا على انفسهم واسرهم