ذكر في كنز العمّال عن موسى بن عقبة, قال: هذه خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية: أما بعد فاني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى, ويفنى ما سواه, الذي بطاعته يكرم أولياؤه وبمعصيته يضل أعداؤه, فليس لهالك هلك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى, ولا في ترك حق حسبه ضلالة. وان أحق ما تعهّد الراعي من رعيّته أن يتعاهدهم بما لله عليه من وظائف دينهم الذي هداهم الله له, وانما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته, وننهاكم عمّا نهاكم الله عنه من معصيته, وأن نقيم فيكم أمر الله عز وجل في قريب الناس وبعيدهم, ولا نبالي على من مال الحق, وقد علمت أقواما يتمنون في دينهم فيقولون: نحن نصلي مع المصلين, ونجاهد مع المجاهدين, وننتحل الهجرة, وكل ذلك يفعله أقوام لا يحمدونه بحقه, ون الايمان ليس بالتحلّي, وان للصلاة وقتا اشترطه الله فلا تصلح الا به, فوقت صلاة الفجر حين يزائل المرء ليله, ويحرم على الصائم طعامه وشرابه, فآتوها حظها من القرآن. ووقت صلاة الظهر اذا كان القيظ, فحين تزيغ عن الفلك حتى يكون ظلك مثلك, وذلك حين يهجّر المهجّر, فاذا كان الشتاء, فحين تزيغ عن الفلك حتى تكون على حاجبك الأيمن, مع شروط الله في الوضوء والركوع والسجود, وذلك لئلا ينام عن الصلاة. ووقت صلاة العصر والشمس بيضاء نقيّة قبل أن تصفارّ قدر ما يسير الراكب على الجمل الثّقال فرسخين قبل غروب الشمس. وصلاة المغرب حين تغرب الشمس ويفطر الصائم. وصلاة الليل حين يعسس الليل, وتذهب حمرة الأفق الى ثلث الليل. فمن رقد قبل ذلك فلا أرقد الله عينيه, هذه مواقيت الصلاة " ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" ويقول الرجل قد هاجرت, ولم يهاجر, وان المهاجرين الذين هجروا السيئات. ويقول أقوام: جاهنا, وان الجهاد في سبيل الله مجاهدة العدو واجتناب الحرام. وقد يقاتل أقوام يحسنون القتال, لا يريدون بذلك الأجر ولا الذكر, وانما القتل حتف من الحتوف, وكل امرئ على ما قاتل عليه. وان الرجل ليقاتل بطبيعته من الشجاعة, فينجّي من يعرف ومن لا يعرف, وان الرجل ليجبن بطبيعته, فيسلم أباه وأمه, وان الكلب ليهرّ من وراء أهله. واعلموا أن الصوم حرام يجتنب فيه أذى المسلمين كما يمنع الرجل من لذته من الطعام والشراب والنساء, فذلك الصيام التام. وايتاء الزكاة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم طيّبة بها أنفسهم, فلا يرون عليها برّا. فافهموا ما توعظون به, فان الحريب من حرب دينه, وان السعيد من وعظ بغيره, وان الشقيّ من شقي في بطن امه, وان شر الأمور مبدعاتها. وان الاقتصاد في سنّة خير من الاجتهاد في بدعة. وان للناس نفرة عن سلطانهم, فعائذ بالله أن يدركني واياكم ضغائن مجبولة وأهواء متّبعة ودنيا مؤثرة, وقد خشيت أن تركنوا الى الذين ظلموا فلا تطمئنوا الى من أوتي مالا. عليكم بهذا القرآن, فان فيه نورا وشفاء, وغيره الشقاء, وقد قضيت الذي علي فيما ولاني الله عز وجل من أموركم, ووعظتكم نصحا لكم, وقد أمرنا لكم بأرزاقكم, وقد جنّدنا لكم جنودكم, وهيّأنا لكم وأثبتنا لكم, ووسّعنا لكم ما بلغ فيكم وما قاتلتم عليه بأسيافكم, فلا حجّة لكم على الله بل لله الحجّة عليكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم </FONT>